الكِتَابَةُ بِأَبْجَدِيَّةٍ ثُنَائِيَةِ التَرقِيْم .
هَذَيَان …
مِن ( كَازَبلَانكَا ) إِلى ( مَسْقَط – عُمَان )
تَقَوقَعَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الرُكْنِ القَصِيِّ مِنَ الكَون ، و الرِيْحُ تُشَابِهُ المَوجَ بِإِيْحَاءَآتِهَا ، كَأَنَّهَا تَعْزِفُ لَحْنَ المَوتِ الأَخِيْرِ لِأُغْنِيَةِ الوُجُود ، و هِيَ تُسَابِقُ الثَوَانِيَ البَطِيئَاتَ عَلَى بِنْدَولِ سَاعَةِ الوَجَع ، و هُنَاكَ وَقَفَ حَارِسُ المَسَافَاتِ كَي لَا يَرتَفِعَ بِخَيَالِهِ لَا أَعْلَى و لَا أَعْمَق ، مَأمُورَ عِنْدَ لَحْظَةٍ لَا يَعْرِفُهَا أَحَد ، أَن يُسْدِلَ السِتَارَ عَلَى فَصْلٍ يُمْطِرُ فِيْهِ السُكُونُ عَلَى أَرضِ الأَعْصَابِ اليَبَابِ قَلِيْلًا مِن هُدُوء .
يَعِيْشُ صَمْتًا مُدْقِعًا بَيْدَ أَنَّ كُلَّ مَا بِدَاخِلِهِ تَمْلَؤُهُ الفَوضَى ، يُصْغِي مُحَاوِلًا سَمَاعَ مَن أَخْرَجَ رِيْحَاً أَفْسَدَتِ لَوْنَ الشِتَاءَ ، لَكِن دُونَ جَدوَى بَعْدَ أن حَجَبَت سَحَابَةٌ ثَقِيْلَةُ الظِلِّ سَقْفَ رُؤَاه ، تَلَمَسَ بِأَنَامِلِهِ المُتَرَدِّدَةِ جَبِيْنَهُ الذِي تَنَدَى مِنْ عِبءِ وِحْدَتِه ، لَكِنَّهُ لَم يَشْعُر بِأَنَّ هُنَالِكَ ثَمَّةَ فَرق ، بَعْدَ أَن حَاوَلَ جَاهِدًا المُرُورَ بَيْنَ فِكْرَتَيْنِ لَا تَعْنِيَانِ لَهُ شَيء ، سِوَى لِيَعْرِفَ فَقَط بِأَنَّهُ مَا زَالَ يَجْلِسُ فِي مَكَانِهِ كَالمُعتَاد .
هُوَ يَعْرِفُ و أَنَا كَذَلِكَ أَنَّ السَبِيْلَ الوَحِيْدَ إِلى الضِفَةِ القُصْوَى ، هُوَ الكِتَابَةُ عَلَى صَفْحَةٍ لَيْسَت بِالضَرُورَةِ نَاصِعَةَ البَيَاضِ ، لَكِنَ الحِبْرَ فِي دَوَاةِ المَعْرِفَةِ بِلَا لَونٍ و فِي كُلِّ مَرَّة ، هُنَا انْتَابَهُ إِحْسَاسٌ عَارِمٌ بِاغْتِرَابِهِ عَن نَفْسِه ، رُغْمَ كَثِيْرِينَ مَرُّوا مِن أَمَامِهِ و مِن عَلَى جَانِبَيْه ، و قَالُوا لَهُ عَن أَشْيَاءَ لَم يَألَفْهَا فَلَم يَفْهَمهَا ، أَو رُبَّمَا لَم يَرْغَبَ سَمَاعَهَا فَتَرَكَهَا تَسْتَعْصِي الفَهْم ، فَأَطْرَقَ خَيَالَهُ و عَادَ إِلى حَيْثُ لَم يُغَادِرَ مُطْلَقًا ، دُونَ أَن يُدْرِكَ تَمَامًا أَكَانَ حُلُمًا مَا يَدُورُ فِي دَاخِلِه ، أَم هُوَ وَاقِعٌ مُجْبَرٌ عَلَى زِيَارَتِهِ بَيْنَ الفَيْنَةِ و الأُخْرَى .
و القَمَرُ يَلُوذُ خَلْفَ تِلكَ الغَيْمَةِ المُفَاجِئَةِ المُرُور ، يَنْقَطِعُ الوَتَرُ الذِي عَقَدَهُ فِي بَطْنِ لَحْنِ الجَدَل ، لِيُنْهِيَ الحِوَارَ بَيْنَهُ و ( وَاصِل مع الحَسَنِ البَصْرِيِّ ) و أَنَاهُ الآخَر ، كَي يَعُودَ إِلى نُقْطَةِ البِدَايَة ، التِي لَا يَعْرِفُ حَتَّى مَتَى بَدَأَ مِنْهَا ، فَيَرَى القَدَرَ يُشَمِرُ لَهُ عَن سَاعِدَيْهِ صَانِعًا أَحْدَاثًا ، أَيْضَاً لَا يَعْرِفَ مَتَى و كَيْفَ سَتَكُون ، لَكِنَهُ مُضْطَرٌ عَلَى الجُلُوسِ صَامِدًا مَلِيْئًا بِالقَلِيْلِ مِنَ الأَمَل ، وَحِيْدًا هُنَاكَ أَو عَلَّهُ لَيْسَ وَحِيْدًا ! ، فَقَدَ كَانَ هُنَالِكَ نَوْرَسٌ يَمُرُّ بِضَيَاعٍ فَوقَ نَهْرِ الأَحْدَاث ، فَارِدًا جَنَاحَيْنِ مَغْمُورَتَيْنِ بِتِيْهٍ سَحِيْق ، يَبْحَثُ عَن وَجْهِ البَحْرِ فِي بَرِيْقِ السَرَاب ، مُحَاوِلًا التِقَاطَ أَنْفَاسِ المَكَانِ لِيُحِطَ عَلَيْهِ ، مِن شِدَّةِ العَتَبِِ لِمَا تَبَقَى عَلَيْهِ مِن رِيْش .
انْقَطَعَ صَوتُ أَنْفَاسِهِ عِنْدَمَا لَم يُلَاحِظَ أَيَّ شَيءٍ يَخْرُجُ عَن المَألُوف ، لِذَلِكَ اسْتَوْقَفَ الغُرُوبَ بِاسْتِجْدَاءٍ و هُوَ عَلَى يَقِيْنٍ بِأَنَهُ لَن يَسْتَجِيْبَ لِنِدَائِهِ الخَافِت ، بَعدَهَا وَجَدَ نَفْسَهُ يَنْزِلُ عَن سُلَمِ الأَمْسِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا ، دُونَ أَن يُصَادِفَ أَحَدًا يُخْبِِرُهُ مَا الذِي يَحْدُث ، قَفَزَ عَلَى شِرَاعٍ يُصَارِعُ عَاصِفَةً مِمَّا ظَنَّهُ الهُدُوء ، و بِبَالغِ صُعُوبَةٍ رَسَى فِي دَاخِلهِ فَوَجَدَ نَفْسَهُ مُغْبَرًّا مِن تُرَابِِ مَاضِيْه ، و مُكَبَلًا بِحُلُمٍ عَن غَدٍ يَأتِي لِيُنْهِي الحِكَايَة ، أَو يَبْدَأَ فُصُولَ حِكَايَةٍ خُرَافِيَّةٍ جَدِيْدَةٍ لَا وُجُودَ لَهَا حَتَّى فِي رَأسِهِ التِي أَعْيَاهَا الفُضُول .
تَثَاقَلَت رَأسُهُ بِالكَثِيْرِ مِ مِن عَلَامَاتِ الاسْتِفْهَام ، يُغَلِفُهَا صَمْتُ المَادَةِ السَدِيْمِيَةِ السَودَاءِ المَجْهُولَة ، لَا يَقْوَى عَلَى فَتْحِ عَيْنَيْهِ لِشِدَّةِ خَوفِهِ مِن ضَعْفِهِ أَمَامَ الحَقِيْقَة ، فَطَأطَأَ مَعْصُوبًا عُنْوَةً يَنْتَظِرُ بِكُلِّ مَا أُوتِِيَ مِن صَبْر ، أَن تَجُولَ خُطَى أُخْطُبُوطُ العَقْلِ أَرْجَاءَ الهُنَاك ، بِأَقْدَامٍ مِنَ الوُضُوحِ تَفْضَحُ لَهُ بِأَنَّهُ مَا زَالَ عَلَى قَيْدِ المُعَانَاة ، و لَمَّا مَلَّ الانٍتِظَارَ أَومَأَ لِلِسَانِ العَرَبِ أَن يَصْنَعَ مِنْهُ هَبَاءً ، و يَنْثُرُهُ فِي زَوَايَا نُقْطَةٍ لَا حَيِّزَ لَهُ فِيْهَا حُدُودُ حَرف ، لِيَعِزَّ عَلَيْهِ المِضِيِّ نَحْوَ حَرْفٍ آخَر ، يَقْطَعُ عَلَيْهِ غِشْيَةَ التَأَمُلِ عَلَى صِرَاطِ الحُلُمِ المُمتَدِ مِن أَزَلِيَتِهِ إِلى أَبَدِيَتِه ، فَاسْتَتَرَ دَاخِلَ الهُلَامِيِّ يَتَرَنَحُ مِن قُوَةِ ضَعْفِهِ و اخْتَفَى .
سامي يَعقوب .
الكلمات المفتاحية :
شعراء مطلع الالفية